صنيعُ والدايْ

صنيعُ والدايْ

جئتُ للدنيا باكياً، كأني كنت أخشاها، طفلا صغيراً، لا يدري ما الذي فيها، خائفاً مترقباً، يبحث عن موانيها، الله أكبر الله أكبر جئت مسلماً لأُعمر كُلَ ما فيها، أنا والِدُك، هذه أُمُّك ونحن عونُك وأهلُك، حينها هدأت، تنهدت وضحكت، لأني وجدتُ مسكني، عرِفتُ مكاني، ولقيتُ أُسرتي، وهنا ستبدأ رحلتي.

هذا المكان سيكون نشأتي، والداي هم قدوتي، وما سأتعلمهُ سيكونُ نهجي.

وهذه تفاصيل حكايتي، كبِرتُ وأنا أسمع صراخ أبي في وجه أمي، وأراه يضرب إخوتي، وعندما كنتُ أخاف وأبكي كان يصرخ قائلاً لي: إن الرجل لا يبكي، فلتكن شجاعاً، فأنا لا أغضبُ إلا لسبب، فعندها فهمت من والدي أن الغضب سُخط، البُكاءُ ضَعف، والرجولة قسوة، ثم ذهبتُ إلى أمي ورأيتها تبكي فحضنتها ومسحت دمعها وسألتها ما بك؟ فأجابت لا شيء فقط أشعر بأني متعبة، فنظرت إليها بتمعن، فقالت: إنَّ غضب والدُك جيد فهو يريد تربية إخوتك بشكل صحيح، وأنا لا أستطيع فعل شيء لأني قد أتضرر حينما أتدخل، فعندها فهمت من أمي أن الضرب تربية، والخوف أمان، ثم ذهبتُ لكي ألعب مع صديقي وجلستُ أشكو إليه ما حدث، ومن ثُمَّ عبرتُ له عن مشاعري وأني أراه أفضلُ صديق بالنسبة لي، فسمعني أخي وذهب ليُخبر والدي فأتى أبي وضربني، وعندها كان الاندهاش هو أول ما ظهر علي، فبرر أبي فعله بقول: إنَّ الرجُل لا يشكو لأنه سيكون محطاً للسُخرية، وأنهُ مما يُعيب الرجل أنْ يُظهرَ مشاعرُه لأحد لأنه سوف يستغله ، ففهِمتُ حينها أن الشكوى انكسار، والتعبير عن المشاعر لهُ ثمن، ثم ذهبت إلى أختي ورأيتها تتحدث مع جدتي وإذ بِها تقولُ لها اخفضي صوتك ولا تُكثري النقاش، انظري للأرض وانصتي لما أقول، ففهمت من جدتي حينها أنَّ النقاش سوءَ أدب، خفض الصوت تهذيب، ورفع النظر عدم احترام.

هكذا مضيْت، وهذا ما تعلمت، لكن عندما كبُرتْ اكتشفت أنه تشكلت لدي العديد من المعتقدات، الكثير من الأفكار، ومجموعة من المبادئ والتصرفات، حتى أصبحتُ صنيع والداي، لا أبكي لأني رجل، لا أشكو، لا أُعبْر، لا أُجادِل، ولا أقول ما أشعُرُ به، ولكن هُنالِك صوت كان يصرُخ بداخلي أنني على خطأ، فأنا لا أستطيع أن أُنشئ علاقات، اشعر بالغضب دائماً، لم أنجح في زواجي السابق، وينتابني الحزن بشكل مستمر، فبدأت أبحث حينها عن السلوكيات الصائبة، معنى العائلة، وعن دور الوالدين الفعلي، ففهِمت ذلك الحين، أنَّ المنزل أمان، الوالدين رحمة وتوجيه، أنَّ الحلم حكمة، والبُكاء تفريغ، أنَّ التربية تعليم والخوف ضعف، أنَّ الشكوى تنفيس، والتعبير عن المشاعر راحة، أنَّ عدم النظر يعني انعدام التواصل، وأنَّ النقاش تفاهُم والخضوع ذُل.

حزنت وقتها كثيراً على نفسي، على مشاعري التي كتمتها، دموعي التي جففتها، غضبي الذي بررته، خوفي الذي عشته، والكثير من الاضطرابات التي أحسستها، فأنا نتيجة العديد من الأخطاء والكثير من الصراعات.

أخيرا أقول: لأُمي وأبي، ولكل من يُقرر الإنجاب، قوله عليه السلام: “كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته”، إن هؤلاء الأطفال أمانه ألقاها الله على عاتقكم، فأحسنوا إليهم، أحسنوا تربيتهم، ولا تكونوا سبب في إنشاء العقد بداخلهم، افهموا احتياجاتهم، اشبعوا رغباتهم، وكونوا مصدر الأمان بالنسبة لهم، فهم أباء الغد وجيل المستقبل.

ومضة لكل رجل:

أنت تمتلك فرصة التغير، فالصمت مقبرة للمشاعر، لذلك بادر باستشارة مختص يكون لك عوناً بعد الله، لتكون قادراً على التعبير، لكل شعور يمكُث بداخلك، ولتُصبِح أفضل في كافة الأدوار الاجتماعية التي تقوم بها، كزوج، أب، أخ، وموظف، فليس من العيب أن تستشير، بل من المرهق أن تكتم تلك المشاعر.

 

بقلم: بشاير الكريديس


التعليقات 0

اترك تعليقا

التسجيل ليس مطلوب



عند التعليق انت توافق على الشروط والاحكام سياسة الخصوصية

لماذا نحن

صنيعُ والدايْ

نقدم في مركز مطمئن للعلاج النفسي العديد من الخدمات التي تعزز من صحة الفرد النفسية وبدون دواء، من خلال ضم مجموعة من الكفاءات البشرية المتميزة والمتخصصة في عدة مجالات بهدف الوصول لأعلى معايير الجودة في تقديم خدماتنا.

  • في مركز مطمئن نحترم القيم والمعتقدات الشخصية لعملائنا وثقافاتهم وخلفياتهم ووجهات نظرهم وعواطفهم، بالإضافة إلى وقتهم، ممَّا يعكس مشاعر الثقة والأمان والرفاهية في البيئة العلاجية.
  • في مركز مطمئن نعمل على اتخاذ كافة التدابير التي بدورها تحافظ على خصوصية وثقة جميع عملائنا.
  • في مركز مطمئن نعمل على ضمان رحلة علاجية مُرضية تغرس في نفوس عملائنا الرضا التام تجاه رفاهيتهم وتحقيق الذات.

التدريب

يقدم مركز مطمئن للعلاج النفسي مجموعة متنوعة من البرامج التدريبة للأخصائيين النفسيين وتأهيلهم لممارسة العلاج النفسي وفق أحدث الفنيات العلاجية على أيدي خبراء ومختصين.

علاج غير دوائي

يقدم مركز مطمئن للعلاج النفسي خدماته المتعلقة بالصحة النفسية والاستشارات الأسرية والعلاج السلوكي المعرفي دون استخدام الأدوية.

اخصائيون ذو خبرة

يتميز مركز مطمئن للعلاج النفسي بضمه لنخبة من الأخصائيين المتميزين ذوي الخبرة العريقة والكفاءة العالية في مجال العلاج النفسي.